كمبوره في الجنه
----------------------
أعرفكم بنفسي.. اصدقائي المقربين يدعونني كمبوره.. و بما انني أعتبر كل من يقرأ قصتي هو صديق فبأمكانك ان تدعوني كمبوره بلاخجل..
المهم انني كنت اتمني ان القاكم في ظروف و مكان افضل.. لكنه النصيب ان التقي بكم في المكان المقدس للون الابيض..
هل خمنتم؟ نعم انا في المستشفي.. تحديدا في غرفه العنايه المركزه.. حيث يغدو الأبيض العظيم سيد الموقف والكلمه..
فالحوائط بيضاء و الأسره بيضاء و الأطباء يرتدون الابيض و القطن ابيض والشاش أبيض بل و الجبس ايضا أبيض..
و الحقيقه انه يجب ان نعود للبدايه.. بدايه الأحداث حتي يمكنكم فهم سبب وجودي هاهنا..
انها والدتي..
نعم والدتي, والدتي التي احبها و احترمها و اخشاها.. اقصد اخشاها و احترمها و احبها.. فالخشيه والخوف هما اول ما اشعر به تجاه والدتي العزيزه بل و احيانا يمتزج بهما الرعب والفزع و الدموع ايضا..
لا ليست مصاصه دماء طبعا.. و الا فان بعض حزم الثوم و وتد فضي يحلا الأشكال..
المشكله أعقد من ذلك بمراحل..
فوالدتي الغاليه بدينه.. بل بدينه جدا.. بل هي كره هائله من الشحم و الدهون تتكلم و تتدحرج.. بالفعل تتدحرج ولا تمشي..
ليس هذا فحسب.. فالمشكله الأساسيه تكمن في يداها.. و ما ادراك مايداها.. و ان كنت حقا لا تدري, فلا تدع هذه القصه تفوتك..
فمنذ زمن و انا ارغب في معرفه وزن يدها التي طالما هوت بها علي يافوخي البرئ.. لكنني لم اعرف لذلك سبيلا حتي هداني تفكيري الي فكره أعتبرتها حينها جيده..
ففي عيد الأم تكون أمي غايه في الرقه و الوداعه و الهدوء و لا تستعمل يداها الا في توافه الأمور كالصفع علي وجهي وعلي قفاي.. لكنها لا تستعملها أبدا في اساليبها المحببه (كالسوبر سوفلكس) و (البوديسلام) الخ..
و فكرتي المتواضعه هي ان اشتري لها ميزانا.. مبررا ذلك بأنني راغب في أن تتأكد من وزن اي شئ ترسلني في شرائه حتي لا تتهمني بألتهام نصف المشتروات في الطريق مره أخري.. و من حسن الحظ -ام لعله سوءه؟- راقت لها الفكره بشده..
وبالفعل أشتريت لها الميزان, و انتهزت فرصه صفائها تجاهي, فقلت لها باسما و انا اخرج كاميرتي:
- ما رأيك يا أمي في ان التقط لك صوره الي جوار هديتي المتواضعه؟واسرعت احمي وجهي بذراعي تحسبا لأي هجوم غادر.. الا انني فوجئت بها تنصاع لمطلبي وتضع يدها اليمني علي كفه الميزان و هي تبتسم في رقه أفراس النهر.. فشعرت بسعاده غامره لمرور الموضوع دون صعوبات, فأخذت اتابع مؤشر الميزان في لهفه, الا انني أسرعت أحمي وجهي بذراعي ثانيا.. و لكن هذه المره بسبب زجاج الميزان الذي كاد يخترق قرنيه عينيي..
سقط قلبي بين قدماي متوقعا غضبه امي التي لن تمر دون تثبيت أكتاف علي أقل تقدير.. الا انه اتضح لي ان والدتي قد ضغطت برفق و من دون قصد علي كفه الميزان!!
فأسرعت أرسم أفضل أبتسامه طفوليه لدي و انا أقول :
- فداك الف ميزان يا والدتي الرؤوم.. سأشتري لك هديه غيرها غدا..
و كنت في نيتي قد اعتزمت شراء ميزان اخر اكبر حجما و امتن صناعه, و قد زاد بداخلي الأصرار علي معرفه وزن يديها.. و لكنني هذه المره أخفيت الميزان عن والدتي, حتي حان ميعاد نومها .. فأسرعت أخرج الميزان , و دخلت غرفتها بهدوء و قربته من موضع يداها , أخذت احاول رفع يداها حتي دنت من الميزان, شيئا فشيئا لامست يداها كفه الميزان, ثم اخيرا استقرت فوقه.. راح العرق يتصبب مني من فرط الأثاره و الخوف و أنا اتخيل موقفها لو استيقظت الان.. رغما عني دنت مني التفاته لها فزعا مرتاعا.. لكنني هدأت حالا عندما وجدتها تلتهم صواني الأرز من - وليس مع- الملائكه في شراهه يحسدها عليها مصارعو السومو, تتراقص شفتيها في عنف علي طريقه المرحوم (اسماعيل يس)..
هنا أستلقيت علي ظهري مستردا أنفاسي.. لكنني ما كدت افعل حتي نهضت كالملسوع علي اثر صوت خوار عشرات الثيران الهائجه, فتلفت حولي في ذعر باحثا عن مصدر هذا الصوت, فتبينت ان غطاء فراش والدتي الحنون قد سقط علي انفها لأسباب فزيائيه تتعلق بمدي قوه شفط انفاس امي..
اسرعت أجذبه برفق حتي لا تستيقظ البنايه كلها, ثم عدت التفت الي المؤشر في لهفه, و ابتسمت في زهو و قد نجحت اخيرا في الوصول الي بغيتي..
انا بطل.. فقد كنت أتحمل 40 كج تهبط فوق رأسي عشرات المرات يوميا.. اما اليد اليسري فقد حمدت الله علي ان والدتي العزيزه لا تستعملها كثيرا.. فبعد محاولات استفذت كثيرا من الجهد و الوقت حتي قبيل الفجر بلحظات, اكتشفت انها تزن 47 كج.. و أظن هذا الفرق يرجع الي كسل اليد اليسري وقله عملها..
في الصباح استيقظت علي اثر زلزال مروع يصاحبه صوت لودر ضخم, والعجيب في ذلك ان هذا المزيج من الاصوات و الاهتزازات كان يهتف بأسمي..!!
فأسرعت انهض و انا اشعر بثقل في رأسي من عناء ما واجهته البارحه.. لأكتشف ان فراشي يهتز اثر هزات رقيقه من خنصر والدتي بيما كانت تهمس بأسمي..
استقبلتني والدتي بأبتسامه واسعه مشرقه لم اعتد رؤيتها.. المهم بادلتها الأبتسام غير فاهما و انا اسئلها:
- صباح الخير يا والدتي الحبيبه. ما سر هذه الأبتسامه البراقه؟شعرت بأن جسدي غاص في الفراش و كاد يخترقه عندما ربتت بكفيها علي, و قالت باسمه:
- انني سعيده بك يا كنبوره.. سعيده للغايه..
لسبب ما تصر امي علي نطق اسم كمبوره بالنون, دعك طبعا من انها لا تستعمله الا في مناسبات عيد الطفوله او تحرير سيناء وربما نادتني به مره في عيد الفلاح لكني لست متأكدا للغايه..
المهم سألتها في لهفه:
- لماذا يا والدتي؟ لماذا؟اجابتني في هدوء و مازلت الابتسامه علي شفتيها